تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الخيزران والمبالغة في إكرام من ذل بعد عز


سمو المشاعر
01-24-2023, 07:54 AM
الخيزران هي زوجة الخليفة العباسي محمد المهدي بن الخليفة أبي جعفر المنصور وأم الخليفتين موسى وهارون: موسى الهادي (حكم من 169 إلى 170هـ)، وهارون الرشيد (حكم من 170 إلى 193هـ) كانت الخيزران امرأة حازمة شاعرة، لها وعليها، فقد كانت جارية يمنية للمهدي، وأعتقها ثم تزوَّجها، والخيزران نوع مشهور من النبات (العود اللين)، وتُسَمَّى به المرأة للدلالة على حسن القوام.
روى ابن عساكر بسنده: قال إبراهيم بن المهدي (أخو هارون الرشيد، ولكن من أم أخرى اسمها شكلة): دخلتُ على الخيزران أم الرشيد فوجدتها على نمط[1] أرضي والنمط على بساط أرمني وعن يمين البساط ويساره نمارق أرمنية وعلى أعلى نمرقة فيها زينب بنت سليمان بن علي [زوجة إبراهيم الإمام بن محمد بن علي الأخ الاكبر للعباس والمنصور، وقد مات في سجون بني أمية عام 131 هجرية بعد أن أعلنت الثورة العباسية على الأمويين]، وعلى سائر النمارق أمَّهات أولاد المنصور والمهدي والهادي ونسوة من نساء بني هاشم.
إذ وقفت امرأة على طرف البساط فسلَّمت ثم قالت: «يا زوجَ أمير المؤمنين وأمَّ أمير المؤمنين، أنا مُرَيَّةُ زوجُ هشام بن عبد الملك ثم مروان بن محمد من بعده، نكبها الزمان وزلت بها النعل حتى أصارها الدَّهر إلى عارية ما يسترها ممَّا هو عليها».
قال إبراهيم: فبيَّنت زينبُ الدُّموع تدور في عين الخيزران وخافت أن يدخلها رقَّةٌ عليها، فقطعت على مرية الكلام أن قالت: «يا أمَّ أمير المؤمنين اتَّقي الله أن يدخله رقَّةٌ لهذه الملعونة فتتبوئي مقعدك من النار، ثم التفتت إلى مرية فقالت لها: بل فدام ما أنتِ فيه يا مُريَّة؛ كأنَّك أنسيت دخولي عليك بحرَّان وأنت جالسةٌ في صحن دار مروان بن محمد على هذا النَّمط وتحته هذا البساط وعن يمين نمطك هذا ويساره هذه النمارق عليها أمهات جبابرتكم وبعض جواريكم، وقد مثلتُ في المكان الذي أنت ماثلةٌ [فيه] وأنا أسألكِ وأتضرَّع إليك في استيهاب جثة إبراهيم الإمام من مروان لأن لا يُمثَّل بها، وقولك وأنت مكحلة في وجهي: ما للنساء والدخول في أمر الرجال، ثم أمرتِ بإخراجي من دارك بغلظةٍ، فلجأتُ إلى مروان فوجدته على حالٍ أشد تعطُّفًا على رحمه منك، وقال لي: لقد ساءني وفاة ابن عمِّي وما أردتُ المثلة به؛ وكيف يمثل الرجل بابن عمه، وخيَّرني بين إطلاق تجهيزه له وبين تسليمه إلي فاخترتُ تسليمه إلي وأمر لي بجهاز فقبلته منه».
قال: فالتفت مُرَيَّة إلى زينب فقالت لها: «كأنَّكِ يا بنت سليمان حمدت لي عاقبة أمري في قطيعة رحمي فأردتِ أن تُزيِّني قطيعة الرحم لأمِّ أمير المؤمنين»، ثم التفتت إلى الخيزران فقالت: «لقد صدقَتْ فيما ذكرتْ عنِّي، وذلك الفعل مني أحلَّني هذا المحلِّ والسَّعيد من اتَّعظ بغيره»، وخرجَتْ فوجَّهت الخيزران من عَدَل بها إلى ناحيةٍ من دارها إلى أن انصرفت زينب بنت سليمان، ثم أدخلتها فأحسنت إليها حتى بلغت في أيَّامها من حُسن الحال أعلى ما كانت عليه في أيَّام بني أميَّة[2]..
وفي رواية: فصاحت بها الخيزران: ليس هذا لكِ، عليَّ استأذنتِ وإليَّ قصدتِ فما ذنبي. فرجِعَتْ وقالَتْ: لعمري لقد صدقتِ يا أُخيَّة، وكان ممَّا ردَّني إليك ما أنا عليه من الضرِّ والجهد. قالت زينب: فنهضَتْ إليها الخيزرانُ لتُعانقها، فقالت: ما فيَّ لذلك موضع مع الحال التي أنا عليها. قال: فقالت لها الخيزران: فالحمَّام إذًا، وأمرت جماعةٌ من جواريها بالدُّخول معها إلى الحمَّام وتنظيفها، فدخلت فطلبت ماشطةً ترمي ما على وجهها من الشَّعر، فخرجت جاريةٌ من جواري الخيزران وهي تضحك، فقالت لها الخيزران: ما يُضحكك. قالت: أضحك يا سيِّدتي من هذه المرأة ومن تحكُّمها علينا وانتهارها لنا؛ فإنَّها تفعل من ذلك فعلًا ما تفعلينه أنت.
فلم تزل حتى خرجت من الحمام فوافتها الخُلَع والطِّيب، فأخذَتْ من الثياب ما أرادت، ثم تطيَّبت وخرجت إلينا، فعانقَتْهَا الخيزرانُ وأجلستها في الموضع الذي يجلس فيه أمير المؤمنين المهدي إذا دخل، فقالت لها الخيزران: هل لكِ في الطعام فإنَّا لم نطعم بعد، فقالت: والله ما فيكن أحد أحوج إليه منِّي فعجِّلوه، فأُتِي بالمائدة، فجعلت تأكل غير محتشمةٍ وتُلقِّمُنَا وتصنع بين أيدينا، ثم غسلنا أيدينا، فقالت لها الخيزران: من وراءك ممَّا تغتنين به. فقالت: ما خارج هذه الدَّار أحدٌ من خلق الله بيني وبينه سبب.
فقالت الخيزران: إن كان هذا هكذا فقومي بنا حتى تختاري لنفسك مقصورةً[3] من مقاصيرنا، وأُحوِّل إليها جميعَ ما تحتاجين إليه، ثم لا نفترق حتى يُفرِّق بيننا الموت. فقامت وُطُفْنَا بها في المقاصير، فاختارت أوسعها وأنزهها ولم نبرح حتى حُوِّل إليها جميع ما تحتاج إليه من الفرش والكساء والخزائن والرقيق، ثم جعلناها فيها وخرجنا عنها. فقالت الخيزران: إنَّ هذه المرأة قد كانت فيما كانت فيه وقد مسَّها ضرٌّ، وليس يغسل ما في قلبها إلَّا المال، فاحملوا إليها خمسمائة ألف درهم، فحُمِلَت إليها.
ارحموا عزيز قومٍ ذلَّ
فالحديث موضوع، والمعروف أنه من كلام الفضيل بن عياض، كما ذكره ابن الجوزي.
إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك
الأعلى من ذلك الإحسان إلى مَنْ أخطأ في حقك سابقًا
والعفو عمن ظلمك قبل ذلك
أقول لك: قد يبتغي المرء العزة في إذلال مَنْ تعدَّى عليه سابقًا، والرسول صلى الله عليه وسلم يخبرنا أن العزة في عكس ذلك: مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ».
وقد فعلت الخيزران الثلاثة في الموقف السابق، فيا لها من قدوة![4].
[1] فرش مثل الحافظة الآن يوضع على السجاد
[2] ابن عساكر: تاريخ دمشق 70/ 123، 124.
[3] المَقْصُورَةُ: الدارُ الواسِعَةُ المُحَصَّنَةُ، أو هي أصْغَرُ من الدارِ، ولا يَدْخُلُها إلا صاحِبُها. انظر: القاموس المحيط، ص 462.

عاشق العميد
01-24-2023, 06:43 PM
طرح في غاية الروعة والجمال
تسلم اخوي واشكرك على هذا المجهود الرائع

شيخة الزين
01-28-2023, 04:21 PM





طرٍح رٍآئع كَ ع ـآدتك ...
يتمـآيل آليـآسمين شذى بجمـآل متصفحك ..
ؤتترٍآقص آلـ ؤرٍؤد متعطرة برٍؤعة مَ طرحته أنـآملك
لرٍؤحك أطيب آلـ ؤرٍد ؤأكـآليل آلـ زهرٍ

معطرٍة برٍقةرٍؤحك

https://upload.3dlat.com/uploads/13612773802.gif





سمو المشاعر
02-01-2023, 10:51 PM
عاشق العميد
كل الشكر لك على تواجدك الجميل وردك الرائع
اسعدني جدا مرورك ..
دمت بالف خير .

سمو المشاعر
02-01-2023, 10:52 PM
شيخة الزين
كل الشكر لك على تواجدك الجميل وردك الرائع
اسعدني جدا مرورك ..
دمت بالف خير .

ملكة الحنان
02-18-2023, 02:17 AM
جزاك الله خير الجزاء ونفع بك
والبسك لباس التقوى والغفران وجعلك ممن يظلهم اللَّه
في يوم لا ظل إلاظله وعمر الله قلبك بالايمان

غصة حنين
03-27-2023, 11:39 PM
طرح معطر بروحانيات إيمانيه قيمه
جزاك الله خير
ورفع الله قدرك وجعله في ميزان حسناتك